أملج.. الساحل الساحر

بين مد وجزر تنبسط أملج على ساحل ساحر بامتداد 10 كيلومترات من البحر الأحمر.. وهي تأتي بعد مدينة ينبع لتكون أول مدينة ساحلية تتبع إمارة منطقة تبوك من الجنوب الغربي، ثم تليها شمالاً الوجه..

عبير عبدالله

تبعد أملج عن مدينة تبوك بمسافة 500 كيلو متر، وتمتاز بموقع جغرافي قل نظيره. فهي على الساحل، حيث يحدها البحر الأحمر غربًًا، أما جهة الشرق فتحدها نفود القوز الساحرة بجمال كثبانها، لتكون محافظة بين الصحراء والبحر، وبين السهل والجبل، وتشتهر بشاطئها المسمى (الدقم). وما يميز هذا الشاطئ أن أشجار النخيل الطبيعية تنمو على طوله، فتأخذ من رمل الشاطئ ومن ماء البحر، كما أنها محملة بالثمر، وليست مجرد أشجار زينة كما هو الحال على سواحل الشواطئ العالمية.
يقال إنها سميت بأم اللج نسبة إلى كثرة لجة الموج فيها، ثم دُمج الاسم ليكون «أملج». ولقد ذُكرت في المعاجم القديمة باسم الحوراء، وتعني البيضاء. وفي منطقة الحوراء بأملج آثار قديمة، لم يتم التنقيب عنها حتى الآن.. وأيًّا كان اسمها أو ما قيل فيه، فستظل المدينة غنية بجزرها المتناثرة. إذ ربما اكتسبت اسمًا آخرا يشي بكثرة جزرها.

الميناء والمرسى | يعد ميناء أملج من أقدم الموانئ على ساحل البحر الأحمر في الجزء الشمالي الغربي. حيث كان فيما مضى حوضًا للسفن التي تحمل البضائع المحلية إلى مصر والسودان. أما اليوم فجارٍ العمل على تطويره ليكون وجهة سياحية، بالإضافة إلى كونه محطة لانطلاق الصيادين. إن الميناء القديم، الذي تحول إلى مرسى للقوارب الخشبية، يشكل بوابة للراغبين في اكتشاف الجزر المحيطة. ففي حوضه ستجد قوارب الصيد، وقوارب التنزه جنبًا إلى جنب.. كل ما على زائر أملج أن يقوم به هو التخطيط لرحلة بحرية على متن تلك القوارب ليتنزه بين الجزر المتناثرة، مستمتعًا بمناظر خلابة قل نظيرها.

أم سحر | ما يميز محافظة أملج كثرة الجزر التي تتبع لها، إذ يفوق عددها المئة جزيرة ما بين صغيرة وكبيرة. لكن بعض هذه الجزر تختفي أيام الشتاء، لا سيما الصغيرة منها، وذلك بسبب المد العالي الذي يحدث شتاءً، وحالما ينقضي الشتاء والمد تظهر الجزيرة للرائي وكأنها نهضت من بحر أسطوري. في أم اللج كثيرة هي الجزر المسماة بأم بدءًا من اسمها مرورًا بـأم سحر وأم الملك، وهما جزيرتان ساحرتان.. يقصدهما هواة الرحلات البحرية ومحبو الغوص، حيث الطبيعة البكر هي سيدة المكان، وكأن الزائر إليها يخوض أحداثًا في فيلم شائق بين تضاريس الجزر وكائناتها البحرية، بالإضافة إلى جزيرة بريم، وجزر الفوايدة، وجزيرة الوقادي.
ما أن تلوح لك في الأفق جزيرة أم سحر الصغيرة التي لا يتعدى طولها كيلو ونصف الكيلو، و800 متر عرضًا، حتى يتبين لك أنها ساحرة بامتياز وكأنها خرجت من قصص مغامرات سندباد البحري. وما أن تطأ قدماك أرضها حتى تستشعر نقاء الرمل الأبيض الذي يمتزج مع البحر. فالجزيرة لا ترتفع كثيرًا عن مستوى البحر، كما أن رملها ما أن يمتزج مع ماء البحر إثر موجة خاطفة حتى يتبدل لونه من الأبيض إلى اللون الذهبي. تنتشر في جزيرة أم سحر شجيرات صغيرة، بالإضافة إلى بعض الأشجار الكبيرة. كما أن طيور البحر، ولا سيما النوارس، تملأ الجزيرة، وربما حامت محلقة حول الزائر وكأنها تتساءل عن هذا الكائن الذي تطفل على جزيرتها البكر.

سويحل وجبل حسان | الجزر في أملج كثيرة، إذ ربما استحقت لقب أم الجزر بلا منازع، لكن أكبرها جزيرة سويحل، واسمها تصغير للساحل. تبعد عن أملج مسافة 45 كيلومترًا باتجاه الشمال. وهي ذات طبيعة رملية، وتتكاثر فيها أشجار الشورة ساحرة الجمال. أما أشهر الجزر فجزيرة جبل حسان. ولعل شهرتها تعود لقربها من أملج، إذ يمكن لمن يقف على الساحل أن يشاهدها تلوح له غير بعيدة عن ميناء الحرة، حيث تبعد بمسافة 22 كيلومترًا فقط. تضاريس جبل حسان كما يشي من اسمها تختلف عن تضاريس أم سحر.. فهي جزيرة جبلية ولا تختلف فرادة وسحرًا عن سابقتها. فالكائنات البحرية تترك أثرًا جميلاً عند خروجها من البحر، ودخولها إلى الجزيرة، والسرطانات أو ما تسمى (بأم القباقب)، أو الكابوريا تتراكض على الشاطئ وبين الصخور.. كل ما عليك فعله هو أن تحاول اصطيادها، فلربما حصلت على وجبة بحرية فاخرة وطازجة، ومجانية أيضًا.
نفود القوز | يتبع محافظة أملج أكثر من 45 قرية بالإضافة إلى الجزر. لكن الأجمل هو النفود الذي يحدها شرقًا، ويطلق عليه الأهالي نفود القوز.. والقوز مفردة تعني الرمل المنثال. كثير من الزائرين يقصدون ذلك النفود لما يكتنفه من قصص وحكايات، ولما يتمتع به رمله من لون ساحر، كما تنتشر بين جنبات بعض الطرق المؤدية إليه شجيرات النخيل الباسقة. يعد النفود متنفسًا صحراويًا ليس لأهالي أملج فقط، بل للمحافظات المجاورة. ففي موسم الربيع ومع نزول المطر، يتحول إلى بقعة ساحرة تجمع بين النباتات الصحراوية، والتجمعات المائية بفعل الأمطار التي استقرت في تجاويف يحيطها الرمل. في النفود أماكن ومناطق يعرفها ويقصدها هواة التنزه البري مثل الشبحة، وغرزة، بالإضافة إلى وادي عمق.

أملج اليوم | محبو الغوص سيجدون غايتهم في أملج وسيجدون بين جزرها بحرًا نقيًا. أما لمن يحب النفود، فعليه أن يتجه شرقًا. إن قربها من محافظة الوجه وضباء التابعتين لإمارة تبوك وينبع التابعة لإمارة المدينة المنورة يجعلها محافظة ذات موقع استراتيجي مميز، مثل تميز محصوليها الزراعي والثروة السمكية. فبإمكانك أن تتناول السمك الطازج بأنواعه العديدة، والمانجو والتمر.. وهذا قلما تجده في مدينة أخرى.